يُحكَى أن هناك ملكا كان عنده وزير يتمتّع بحكمة كبيرة، ويثق أنّ كل ما يقدّره الله للإنسان هو خير، وفي يوم من الأيام خرج الملك برفقة الوزير لصيد الحيوانات، وكلّما تمكّن الملك من إصابة شيء قال له الوزير (لعلّه خير)، وأثناء مسيرهما وقع الملك في إحدى الحفر العميقة قال له الوزير (لعلّه خير)، ثمّ نزف من يد الملك دم كثير، فذهبا إلى الطبيب وأمر بقطع الإصبع حتّى لا يتضرر باقي الجسم بسببه، فغضب الملك غضبًا شديدًا ورفض الخضوع لأمر الطبيب، إلّا أنّ اصبعه لم يتوقف عن النزيف ما أجبره على قطع إصبعه، فقال له الوزير (لعلّه خير)، فسأل الملك الوزير (وما الخير في ذلك، أتتمنى أن ينقطع اصبعي) وغضب بشدّة وأمر حرّاسه بالقبض على الوزير وحبسه، فقال الوزير (لعلّه خير)، وقضى الوزير فترة طويلة داخل الحبس.
وفي يوم من الأيام خرج الملك للصيد مصطحبًا معه حرّاسه، فوقع في يد جماعة من الأشخاص الذين يعبدون الأصنام، وقد أخذوه بهدف تقديمه قربانًا للأصنام التي يعبدونها، وعندما عرضوا الملك على قائدهم وجد إصبعه مقطوعًا فأمر بتركه وإعادته من حيث أتى وذلك لأن القربان يجب أن يكون صحيحًا بغير علّة، ثمّ عاد الملك إلى القصر مبتهجًا لنجاته من الموت بأعجوبة، وطلب من الحرّاس أن يحضروا الوزير إليه، فأحضروه وروى الملك إليه ما حصل معه، واعتذر منه عمّا بدر منه، ثمّ سأله عن سبب قوله (لعلّه خير) عندما أمر الحرّاس بأن يسجنوه، فأخبره الوزير الحكيم بأنّه لو لم يحبسه لكان سيصطحبه معه في الصيد كما يفعل عادة، وسيكون قربانًا للأصنام بدلاً منه، وأخبره الوزير بأن الله عندما يأخذ من الإنسان شيئًا فإنّما يكون ليمتحنه الله ولخير يجهله العبد، ففرح الملك كثيرًا وقال: (لعلّه خير).
الانتكاسات هي جزء من الحياة اليومية بمختلف أشكالها؛ مرض، فشل مشروع، غياب عزيز أوقريب.... متى ما حلّت بنا نشعر بالامتعاض ونعيش حالة من النكران والسخط ثم نبدأ رحلة البحث عن دواء لجراحنا وقد نسينا أن البلسم الشافي هو الإيمان بالقضاء بالقدر والخير كله في قوله تعالى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة من الآية:216]. والرضا بالقضاء والقدر أعظم منزلة من الصبر على الشدائد. كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: "أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر".