أحد سكان بيت المقدس من أهل الذمة يروي لذويه ما حدث عند دخول المسلمين بيت المقدس بقيادة صلاح الدين ..
"وجاء شاهد عيان يصف ما رأى وما سمع في المسجد ،قال : ودخلت فلم يمنعني أحد ولم يسألني أحد من أنا ، فاختلطت بالمسلمين ،فإذا هم جميعاً يجلسون على الأرض ،لا تتفاوت مقاعدهم و لايمتاز أميرهم عن واحد منهم ،قد خشعت جوارحهم وسكنت حركاتهم وخضعوا لله ،فعجبت من هؤلاء الذين كانوا جنّ المعارك وشياطين يوم القتال ،كيف استحالوا هناك رهباناً خشّعاً . ورأيت الخطيب قد صعد المنبر فخطب خطبة ،لو أنها ألقيت على رمال البيد لتحركت وانقلبت فرساناً ومضت حتى تفتح الأرض ،ولو سمعتها الصخور الصم لأنبثقت فيها الحياة ومشت فيها الروح .
ووجدت هؤلاء الناس لا يُغلَبون أبداً ما داموا مسلمين ولو اجتمعت عليهم دول الدنيا ،لأن قوى الإيمان أقوى في نفوسهم من كل قوة ؛ إنه لا يخيفهم شئ لأن الناس إنما يخوّفون بالموت ،وهؤلاء قوم يحبون الموت ويريدون أن يموتوا . كلا ؛لا يطمع قومنا بهذه الديار أبداً ، أنا أقول لكم ،و أنا قد عرفت القوم وتكلمت بلسانهم وخالطتهم ووقفت على ديانتهم وسلائقهم .كلا إنه لا أمل لنا فيها .لقد أنزلوا الصليب اليوم بعدما لبث مئة سنة فلن يعود ،لن يعلو هذه القبة إلا شعار محمد ،فلا نصرانية ،و لا يهودية .
إن كل بقعة في هذه الديار تنقلب إذا اشتد الأمر وجد الجد حطين ،وكل وليد فيهم يصير صلاح الدين ،فلا يريق قومنا دماءهم هدراً ولا يزهقوا أرواحهم في غير طائل "
من كتاب "قصص من التاريخ" - علي الطنطاوي