استطاعت سنغافورة الوصول إلى مرحلة عالية من التقدم وذلك خلال مدة أقل من 50 عاماً، حيث تحوّلت من كونها جزيرة فقيرة أغلب سكانها من الأميين، إلى بلدٍ تمتلك من مستويات المعيشة ما يضاهي أكبر دول صناعية في العالم. وفي عام 2014 تمكّنت سنغافورة من الحصول على المركز الثالث في العالم بعد كوريا الجنوبية واليابان وذلك حسب آخر أصدار لتقرير بيرسون عن أفضل النظم التعليمية في العالم من حيث مهارات التعليم.
منذ وصل لي كوان إلى هرم السلطة في بلاده، كانت لديه رؤية واضحة لتطوير بلده، تتجسد أساسا في فرض سلطة الدولة لتحقيق نهضة اقتصادية.
وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت له لتقييده حرية التعبير في بلاده، ومحاصرته للمعارضة، وفسحه المجال لسيطرة التنظيم الذي أسسه على الحياة السياسية في البلاد، إلا أن لي تمتع بسمعة طيبة لدى مواطني سنغافورة، بعدما تمكن من جعلها تجربة اقتصادية ناجحة، أوصلتها لمصاف نمور آسيا.
بدأت حكاية لي مع تنمية سنغافورة عام 1971 عندما قررت بريطانيا إنهاء وجودها العسكري وإغلاق ثكنتها الكبرى في البلاد، وهي الثكنة التي كانت توظف نحو خمسين ألف مدني وتمثل خمس الدخل القومي لسنغافورة.
احتج لي كوان على ما قررته بريطانيا والمخالف لتعهداتها السابقة، وهدد باستدعاء اليابان لتعويض التاج البريطاني.
لكنه استسلم للأمر الواقع في نهاية الأمر، واستغل الواقعة لتنفيذ خيارات سياسية واقتصادية صعبة، تقطع مع الخضوع للدعم الأجنبي، وتعتمد ركائز التنمية المحلية كوسيلة لتحقيق التطور المطلوب.
ولم تكد تمر سنوات قليلة، حتى عرفت سنغافورة نهضة اقتصادية كبرى، لفتت إليها الانتباه.
تجمع آراء الخبراء الاقتصاديين على أن نقطة قوة لي كوان لم تكن السياسة الاقتصادية التي انتهجها، فأي خطة بالإمكان أن تعدل وتراجع وتصحح، بل تجسدت في حرصه المستمر على محاربة الفساد الإداري، والقطيعة مع البيروقراطية، وفسح المجال للمستثمرين الأجانب، وفتح الباب أمام المهاجرين من النخب العلمية للاستقرار ببلاده التي لم يكن عدد سكانها يتجاوز المليونين.
وبرغم الانتقادات، سجل له حرصه على استقرار المشهد السياسي من خلال فرض سيطرة حزب العمل الشعبي على الحكم، والدفع بحكومات تكنوقراطية إلى الواجهة، شجعت على ضمان انفتاح البلاد على الاستثمار الأجنبي في كل المجالات، ضامنا بذلك لسنغافورة أفقا تنمويا واضحا.
ومن أهم المجالات التي أولاها لي كوان أهمية خاصة، التعليم، فطوره وبناه على أسس علمية ثابتة، تحفظ الهوية المحلية وتنفتح على العالم.
وبفضل تلك الإجراءات التي اتخذها لي كوان وحكوماته المتعاقبة، أصبحت سنغافورة واحدة من أسرع مراكز إدارة الثروات نموا في العالم. وقد أعلنت سلطة النقد السنغافورية (البنك المركزي) نهاية عام 2013 أن حجم الأموال المدارة في سنغافورة ارتفع بنسبة 22% في 2012 ليصل إلى رقم قياسي عند 1.63 تريليون دولار سنغافوري (1.29 تريليون دولار أميركي) مقابل 1.34 تريليون دولار سنغافوري سنة 2011.